dimanche 25 août 2013

Misr al yom



مصر اليوم
تحديات الحركة الشعبية الديمقراطية
سمير أمين
24 أغسطس 2013
أولاً : يُكتب الكثير الآن عن مصر، وهو أمر مفهوم بالطبع، حتى لو جاء من أناس معرفتهم بالعالم العربي محدودة. ويحصل الكثير جدًا من هؤلاء على معلوماتهم من وسائل الإعلام الغربي الكبرى، وهي معلومات تشبه مثلاً ما يتم تداوله عن فنزويلا على سبيل المثال، حيث التشويه المنهجي بل وحتى الزيف الكامل في أغلب الأحوال. كما يقع كثيرون في تسطيح المسألة بوضعها في حيز ثنائية "احترام نتائج الانتخابات (ونحن في مصر نقول عن حق: ما تسمى انتخابات) أو تأييد قيام سلطة عسكرية".
إن التحدي الحقيقي القائم لا يسمح بهذا التبسيط الزائد للمسألة. "فالحركة"- وهي حركة جماهيرية هائلة- تعبر عن عدد من المطالب: (1) العدالة الاجتماعية، (2) احترام كرامة وحقوق الإنسان (أي فهم أوسع للديمقراطية من اختزالها في الانتخابات)، (3) احترام السيادة والاستقلال الوطنيين. وهي مطالب تقدمية ومتكاملة موضوعيًا، وتعني التخلي عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية التي تعتبر أساس الكارثة التي تعيشها مصر، وبالتوازي مع ذلك: الابتعاد عن الانحياز للولايات المتحدة وحلفائها (أوربا، إسرائيل، بلدان الخليج العربي) في السياسة الدولية والإقليمية. غير أن قطاعات واسعة في الحركة تفهم ذلك بشكل جزئي، وأحيانًا يتم فصل المسائل عن بعضها البعض في أحسن الأحوال. وتستفيد قيادة القوات المسلحة من هذا الضعف فمن ناحية دعمت مطلب الجماهير الشعبية (بإزاحة مرسي)، ومن ناحية أخرى لم تمنح الحركة أي سلطة (حيث احتفظت بها لنفسها). وهذا هو الأساس الذي يجري عليه الصراع، وليس الأساس الذي تقدمه جماعة الإخوان والدول الغربية. إنه صراع يهدف إلى إجبار الحكم على تنفيذ المطالب الثلاثة سابقة الذكر، ولا يهدف بالتأكيد إلى المطالبة بعودة حكومة جماعة الإخوان المنتخبة كما يقال عنها!

ثانيًا:
بالنسبة لمن يرغبون في معرفة ما قلته، وليس ما يقول من لا أعرفهم إنني قلته (!) أرجو أن يرجعوا إلى القائمة التالية:
1) الرأسمالية الليبرالية، رأسمالية المحاسيب، والتنمية الرثة، على موقع "بامبازوكا" Pambazuka بتاريخ 21/11/2012.
وقد أضفت إلى هذه الورقة بعد سقوط مرسي أن الصراع يتواصل بين الحركة الشعبية (من أجل تنفيذ الأهداف الثلاثة المذكورة) وبين حكومة حازم الببلاوي (أغسطس 2013) المستمرة بوضوح في تنفيذ ذات الوصفات النيوليبرالية للحكومات السابقة في عهدي مبارك ومرسي.
2) النصر الانتخابي للإسلام السياسي في مصر، على موقع بامبازوكا بتاريخ 28/6/2012.
3) ربيع الشعوب ومستقبل الثورة العربية، كتاب نشر عام 2012 في سلسلة كتب فهامو Fahamu، ويراجع الفصل الأول بشكل خاص.
4) أضيف هنا المقابلة الصحفية التي أجرتها معي بيفيانج Beifang الصينية بتاريخ 15 يوليو، والتي نشرت تحت عنوان "التحديات التي يواجهها الشعب المصري اليوم". وقد نشرتها على صفحتي في الفيس بوك، وعلى مدونتي. وقد أسعدني أن أجدها منشورة في موقعي بامبازوكا والمنتدى العالمي للبدائل.
5) ويمكن للقراء العرب الاطلاع على مواد أكثر، ومنها الجزء الثاني من كتاب "ثورة مصر" تحت الطبع.

ثالثًا :
لقد كتبت (بالفرنسية): "يجب النظر إلى سقوط مرسي كانتصار للشعب المصري" (وهو ما تحقق نتيجة احتجاجات جماهيرية ضخمة ضد حكم الإخوان المسلمين). وأضفت أن قيادة القوات المسلحة استغلت الضعف التنظيمي للحركة الشعبية كي تقتنص هذا الانتصار لنفسها فقط (انظر أعلاه). وقد طورت هذه النقطة بنقد السياسة النيوليبرالية لحكومة الببلاوي.
فكيف يمكن إذن لشخص حسن النية أن يكتب "سمير أمين يؤيد الانقلابات العسكرية"!! إنه ببساطة عدم أمانة.
كتبت أيضًا أن تقدم الديمقراطية (بما فيها الانتخابات العادلة والنزيهة) لا يمكن أن يتحقق إذا انفصل عن التقدم الاجتماعي. فانتهاج السياسات التي تربط "الديمقراطية" (بعد اختزالها في الانتخابات) بالسياسات النيوليبرالية (التي تفضي حتمًا إلى الانحدار الاجتماعي) يؤدي ببساطة إلى قتل منظور الديمقراطية التي تفقد مشروعيتها، وبما يفتح الطريق أمام قوى غير ديمقراطية (مثل الإخوان المسلمين أو الهندوسية السياسية ممثلة في حزب بهارتيا جاناتا). فهل أنا مخطئ؟ ألا تتحول "الانتخابات" في هذا الإطار إلى نوع من الهزل إن لم تكن مجرد خداع؟
إن تصنيف موقفي هذا بأنه "ستاليني" هو ببساطة استخدام لنفس الأساليب الرخيصة الشائعة لتجنب التحليل الجاد للتحديات.
هل يمكن وصف موقفي (بالنضال من أجل الديمقراطية المرتبطة بالتقدم الاجتماعي ونبذ السياسات النيوليبرالية) بالموقف "الرجعي"؟
إنني مشدوه بالفعل. فهل الموقف التقدمي هو موقف وسائل الإعلام الغربية الكبرى (ومن ورائها الدول الكبرى والهيئات المانحة) التي تدعو إلى الإذعان للسياسات النيو ليبرالية؟ هل يمكن أن نقبل هذا؟ أي هل نقبل الامتناع عن الذهاب إلى أبعد مما تسمح به القوى الإمبريالية ووكالاتها؟

رابعًا :
لقد تحقق سقوط مرسي نتيجة لتمرد واسع قام به الشعب المصري ضد جكم جماعة الإخوان المسلمين.
ومع ذلك يبدو للأسف أن البديل على المدى القصير سيكون: إما دكتاتورية عسكرية أو دكتاتورية جماعة الإخوان. ويرجع هذا الوضع المحزن إلى ضعف الحركة. فعلى الرغم من تمتع الحركة بتأييد واسع جدًا في البلاد (ربما يصل إلى 80% بمن فيهم ملايين ممن سبق أن انتخبوا الإخوان وندموا على ذلك بعد أن اكتشفوا الوجه الحقيقي للجماعة) مازالت صراعات المواقف والمصالح والقيادة داخل الحركة غير محلولة حتى اليوم. وهو موقف يشابه الموقف في الجزائر، حيث هزم الجيش جبهة الإنقاذ، وكذلك الموقف في سوريا حتى اليوم. إنه موقف محزن، لكنه يعني ببساطة أن مهمة القطاعات الأكثر وعيًا سياسيًا داخل الحركة هي العمل الجاد من أجل تسليح الحركة ببرنامج واستراتيجية واقعيين. وعندما يتحقق هذا سيصبح من الممكن توفر بديل حقيقي، أي جبهة شعبية ديمقراطية ومعادية للإمبريالية.
في الوقت نفسه نلاحظ أن قيادة القوات المسلحة قد عزت على استخدام العنف المفرط "لاستئصال" جماعة الإخوان (إطلاق الذخيرة الحية على مظاهراتها). وفي الحقيقة أن هذه القيادة تستفيد من تأييد عموم الشعب. وهو ما قد ساعدت عليه أيضًا الاستراتيجية التي اتبعتها جماعة الإخوان، التي تأمل في إخفاء هزيمتها السياسية عن طريق التحول إلى استخدام العنف بهدف الظهور بمظهر "ضحايا" الدكتاتورية العسكرية. لقد هدد الإخوان المسلمون- ونفذوا تهديدهم فعليًا- بخلق مناخ الحرب الأهلية، وخاصة في صورة الاعتداءات المنهجية على الأقباط. ويغطون أنشطتهم العنيفة بدروع بشرية لبنات في سن 7-10 سنوات (والتي تبدو قيمة حياتهن أقل من نظرائهن الأولاد!)..الخ. ويجب إدراك أن الإخوان يمكن أن ييكونوا مؤذيين حتى وهم مهزومون، فهو تنظيم يضم قرابة 600 ألف عضو، قد يكون من بينهم 100 ألف عضو مسلح أو تلقى تدريبًا عسكريًا.
بالرغم من كل هذا لا أعتقد (ويشاركني في هذا القطاعات الأكثر وعيًا سياسيًا في الحركة) أن القمع يمثل الوسيلة الأكثر فعالية للتعامل في مجال السياسة. ويمكن أن تكون هزيمة الإخوان أكثر أمنًا عن طريق حملات سياسية جادة لشرح حقيقة الجماعة (وهو ما يتطلب حرية الحركة على نطاق واسع). لكن هذا يعني أيضًا فضح السياسة النيوليبرالية التي اتبعها مرسي. وهو الإطار الذي مازالت حكومة الببلاوي قابعة فيه، لكن من المحتمل ألا يكون الجدل الحقيقي والشامل غير مرغوب من الجميع!


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire